30 ألف باص ستخرج من الخدمة مع نهاية المشروع
الرحلة من عرفات إلى رمي الجمرات والتي كانت تستغرق 7 ساعات لن تزيد بالقطار على 15 دقيقة
تكلفة المشروع وصلت إلى1.77 مليار دولار وطاقته الاستيعابية الكاملة ستصل إلى نحو نصف مليون حاج
مكة المكرمة – حسن عبدالله:
صباح يوم مشرق ربيعي ازدانت بشمسه بلد الله الحرام بدت المشاعر المقدسة في عرفات ومزدلفة ومنى كخلية نحل.. يجري العمل في أنحائها على قدم وساق.. آلات حفر عملاقة تدق شوكاتها وأطرافها الصلبة في رحم الصخر القاسي الذي يلين تحت ضرباتها ليفسح الطرق أمام المشاريع العملاقة التاريخية التي تتبناها المملكة العربية السعودية، بهدف تسهيل رحلة الحج على ابناء الإسلام، ولربما سيجيء اليوم الذي ستتحول فيه رحلة الحج المرهقة للكثيرين إلى نزهة حقيقية يستمتع فيها الحاج بكل دقيقة وساعة بل وساعات كانت تضيع في التنقل بين مكة المكرمة وبين المشاعر المقدسة في عرفات ومزدلفة ومنى.
ضمن قافلة الاعلام السياحي الخليجية التي استضافتها المملكة العربية السعودية أخيرا، للتعريف بالوجه الحضاري للمملكة، وخصوصا الاثار والمناطق التاريخية، والتي سأوافيكم بأحداثها الشيقة والممتعة خلال الايام القادمة، جاءت جولتي في احد المشروعات العملاقة التي يحق لكل مسلم أن يفاخر بها، فمنذ اكثر من 1400 سنة والرحلة من مكة المكرمة الى منى ثم الى عرفات ومنها الى مزدلفة ومن ثم الى رمي الجمرات في منى، تثقل كاهل الكثيرين، وخصوصا كبار السن والمرضى، حيث يجتمع ملايين المسلمين معاً في وقت واحد ومكان واحد لأداء مناسك الحج في المشاعر المقدسة وكان هذا الازدحام الشديد يؤدي الى ضياع عشرات الساعات وسقوط مئات الضحايا، فكان لابد من التفكير في حل لإنقاذ هذه الارواح الطيبة، والعمل على تمتعها بالمشاعر والشعائر.
وبدأت الخطة السعودية بتوسيع الحرم الشريف، وتوسيع المسعى بين الصفا والمروة ورفع منطقة رمي الجمرات الى خمسة طوابق.
وأخيراً وليس آخراً جاء مشروع قطار المشاعر المقدسة الذي سينهي مشكلة تاريخية تمثل عقبة كبيرة أمام أداء الحجيج لشعائر الحج الرئيسية، ولأنه سيربط مكة المكرمة عبر خط سكة حديدية بالمشاعر المقدسة في منى وعرفة ومزدلفة ومنها إلى منطقة رمي الجمرات، وبهذا تكون مكة المكرمة أول مدينة سعودية يدخل القطار في وسائل النقل الرئيسية لها، ضمن شبكة سكك حديدية عامة ستغطي أنحاء المملكة العربية السعودية.
انطلقت الرحلة إلى قطار المشاعر المقدسة في العاشرة صباحا، القطار الذي لم ولن يتوقف عن العمل على سبيل التجربة طوال الأيام القادمة وحتى انطلاق شعائر الحج ربض في إحدى محطاته انتظارا لزيارتنا، عشرات من الفنيين والخبراء والمهندسين كانوا في استقبالنا وتبدو البهجة والفرحة في عيونهم وعلى وجوههم.
تقدم الجميع مدير عام مشروع قطار المشاعر المقدسة المهندس فهد أبو طربوش، وأمسك بمكبر صوت يدوي وراح يخاطبنا: «أهلا بكم جميعا. أوقفنا القطار في انتظار زيارتكم له، أنتم الآن داخل الخط الجنوبي، وهو واحد من خمسة خطوط تعتزم المملكة تنفيذها في المشاعر المقدسة، ويربط هذا الخط عرفات بمنى عبر محطات».
بدأت المرحلة الأولى لمشروع قطار المشاعر المقدسة في 6 – 1- 2009. وبلغت قيمة العقد (6.650.000.000) ريال سعودي، أي نحو (1.77 مليار دولار).
وتشارك في تنفيذ المشروع عدد من أبرز الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال، فقد تم توريد محركات القطار من شركة بومباردية الكندية، وقدمت شركة كنوز الألمانية أنظمة الفرامل وناقل السرعات، وتولت شركة تاليس الفرنسية/ الكندية توريد أنظمة الإشارات والتحكم وتقوم شركة سيمنس الألمانية ووستنجهاوس الأمريكية بتنفيذ كافة الأعمال الكهربائية والتكييف.
وتقوم بالتنفيذ شركة صينية تقود أكثر من 25 ألف عامل ومهندس وخبير في كافة التخصصات.
ابتسم مدير الشركة الصينية التي تدير المشروع سام هاو وهو يراني أبحث في كابينة القيادة عن السائق وقال: «القطارات تتحرك آليا بدون سائق. السائق سيكون للمراقبة والتحكم في حالات الطوارئ فقط، التحكم الآلي في القطار قادر على السيطرة تماما على سرعة القطار والفرامل والأبواب».
ثمة حملة شنها البعض في الصحف السعودية، وصفوا فيها القطار بأنه قبيح وليس في جمال مترو دبي أو باريس أو لندن، مستكثرين الأموال التي أنفقت على المشروع، والحقيقة أن القطارات كما أراها أمامي تبدو رائعة، ولا تقل المحطات جمالاً وأناقة وتحضرا عن أي قطار آخر في العالم، كما أن القطار يحل مشكلة تاريخية فيما يخص فريضة الحج.
تصميم المحطات يبدو فريداً، فثمة حاجز زجاجي يحيط بالقطارات كعامل أمان وكي لا يسقط أحد من الحجاج تحت القطار، وكل محطة فيها 20 مصعداً، وتبلغ حمولة كل مصعد نحو 50 راكبا، وروعي في التصميم أن تكون المحطات فوق الأرض نظرا إلى الحاجة لكل متر تحت الأرض خاصة في مزدلفة ومنى.
يمسك مدير المشروع فهد أبوطربوش بمكبر الصوت ويشرح باستفاضة: «الصورة العامة للمشروع عبارة عن 3 محطات في عرفات و3 في مزدلفة و3 في منى. تبدأ رحلة القطار من الطريق رقم 3 في عرفات متجهة الى الدور الخامس بمنشأة الجمرات، أي ان الحاج يخرج من عرفات مرورا بمزدلفة ومنها الى رمي الجمرات بالطابق الخامس بمنشأة رمي الجمرات، وهو الطابق المخصص لخط القطار الجنوبي الذي تصل مسافته من عرفات الى منى 18 كيلومترا، ويعمل على هذا الخط 20 قطارا، يسحب كل قطار 20 عربة، وتستوعب كل عربة 250 راكبا، فيما تبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار الواحد نحو 3 آلاف حاج، وتستوعب المحطة الواحدة نحو 72 الف حاج في الساعة الواحدة، وهو ما يزيد عن كبرى محطات القطارات في باريس وهونج كونج وروسيا التي تستوعب 50 ألف راكب فقط».
ويضيف المهندس فهد أبوطربوش: سيتم تشغيل %35 من الطاقة الاستيعابية للمشروع خلال موسم الحج الحالي، وسيعمل المشروع بكامل طاقته الاستيعابية التي تصل الى نصف مليون حاج خلال العام القادم بإذن الله، ويستهدف مشروع قطار المشاعر المقدسة حجاج الداخل (من المواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة) وحجاج مجلس التعاون الخليجي، وحجاج البر، وسيكون القطار متاحا الى كل حجاج الخارج في موسم الحج القادم بإذن الله.
ويكمل مدير المشروع بحماس: هذا العام سيخرج ثلاثة آلاف باص من الخدمة في المشاعر المقدسة، حيث يتم الاستغناء عنها بعد تشغيل القطار، وعندما يكتمل المشروع العام القادم سيخرج 30 ألف باص من الخدمة، ولكم ان تتصوروا مدى تأثير ذلك على الانسيابية والاصحاح البيئي.
الرحلة من عرفات الى مزدلفة والتي كانت تستغرق اكثر من 7 ساعات، لن تزيد بالقطار عن سبع دقائق ونصف حسب تأكيد المدير الصيني للمشروع سام هاو، وقد تصل من 11 – 15 دقيقة حسب تأكيد المدير السعودي للمشروع المهندس فهد أبو طربوش اذا امتدت الى منى حيث منشأة رمي الحجرات.
يشير المهندس أبو طربوش ويشرح: القطار به 60 باباً وذلك للتفريغ والتحميل بصورة سريعة، وتستوعب العربة الواحدة 540 مقعداً تمثل %25 من الطاقة الاستيعابية لكل عربة، حيث سيقف %75 من ركاب القطار من الحجيج فترة زمنية قصيرة جداً.
وستعمل كافة خطوط القطار بكامل طاقتها طوال فترة النفرة من والى عرفات ومزدلفة ومنى، ومن ثم يعود القطار الى العمل بطاقته الطبيعية ذهاباً وايابا طوال ايام التشريق.
يرتفع قطار المشاعر عن سطح الأرض في بعض المناطق بنحو 8 أمتار، وفي مناطق أخرى يصل ارتفاعه الى 10 أمتار وذلك لمنع تسببه في عرقلة حركة المشاة او السيارات التي تنقل الحجاج وستعمل على خط المشاعر عشرون قطارا، وتحتوي مقصورة السائق على ثلاث شاشات عرض الكترونية يمكن للسائق من خلالها الارتباط بمركز المراقبة والتحكم، كما يمكنه مراقبة الركاب من خلال 52 كاميرا مراقبة تشمل كافة اجزاء القطار، ويمكنه توجيه اي نداء صوتي من خلال نظام صوتي متطور جدا، وترتبط المقصورة بكافة محطات التوقف التي يمكن من خلال الربط الالكتروني تمرير اي معلومات مهمة للركاب، فيما يمكن للركاب مشاهدة ما يدور في الخارج من خلال شاشات العرض الجانبية المنتشرة في كافة العربات.
وفي نهاية الجولة داخل وخارج قطار المشاعر المقدسة بدا مدير المشروع المهندس فهو ابو طربوش مطمئناً وهو يؤكد أنه تم تذليل كافة الصعوبات والتحديات.
وامسك مدير الشركة الصينية المنفذة سام هاو لحيته وهو يشير الى العاملين في المشروع ويقول: كلهم يعملون ليل نهار من اجل الانتهاء من المشروع. تعالوا للحج جميعاً فالحج سيصبح نزهة عبر قطار المشاعر المقدسة السريع.